والجزاء المؤجل ـ ثوابا أو عقابا ـ إنما يتعامل به العقلاء الذين يحكمهم عقلهم ، أكثر مما تتحكم فيهم شهواتهم ..
فالطفل يعطيك كل ما معه حتى ملابسه ، فى سبيل قطعة من الحلوى ، لأن قطعة الحلوى هذه ، صالحة لأن تؤكل فى الحال ..!
والصبىّ .. غير الطفل .. إنه لا تستبد به شهوة الحلوى الحاضرة كل هذا الاستبداد .. فهو يساوم وينازع فيما يأخذ ويعطى!
وهكذا ، كلما درج الإنسان فى مدارج الرشد ، رجع إلى عقله ، وأطال النظر والتقدير فيما يعود عليه من ربح أوفر ، فى العاجل أو فى الآجل!
فإذا جاء الناس إلى مجال العمل لما بعد الموت .. كثر المتردّدون ، وقل العاملون ..
وإنك لو أتيح لك أن تتفحص أمر هؤلاء وهؤلاء ، لوجدت أن أولئك الذين آثروا العاجل على الآجل ، هم دون من آثروا الآجل على العاجل ـ ووجدتهم دونهم عقلا وتقديرا للأمور .. إنهم ما زالوا فى دور الطفولة ، وإن كانوا فى صورة الرجال!
إن عقول الماديين لم تستسغ تأجيل الحساب والجزاء إلى حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا ، بل جعلته حسابا موصولا بهذه الحياة الدنيا .. فكان مذهب التناسخ «تناسخ الأرواح» الذي يؤمن فيه أصحابه بأن الروح تنتقل من جسد إلى جسد ، فتنال جزاءها فيه .. فإن كانت خيّرة حلّت فى جسد تجد فيه راحة ونعيما ، وإن كانت آثمة حلت فى جسد تلقى فيه بلاء ونكالا ..
والقائلون بالتناسخ ، ينكرون أن تكون هناك حياة آخرة ، يلقى فيها الإنسان جزاء .. ولكن لا بد من جزاء حتى يعتدل ميزان العدل ، ويطمئن