لم جاء قوله تعالى (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) مقيّدا الجزاء بأنه جزاء بالقسط ، ولم يرد هذا القيد فى جزاء الكافرين؟ وهل يجازى أحد إلا بالقسط والعدل؟ والله سبحانه وتعالى يقول : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧ : الأنبياء).
فما جواب هذا؟
نقول ـ والله أعلم ـ : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، قد كان لهم من أعمالهم الصالحة ما يقيم ميزانهم ، ويجعل لهم حسابا على كفّتى الميزان ، كفّة الحسنات ، وكفّة السيئات .. فما كان لهم من حسنات رأوه فى كفّة الحسنات ، وما كان لهم منهم سيئات ، رأوه فى كفّة السيئات .. لم تضع مثقال ذرة من أعمالهم ، هنا ، أو هناك .. فحسابهم قائم على القسط ، والحق ، والعدل ..
وكذلك جزاؤهم .. إنه قائم على القسط ، والحق ، والعدل ..
وليس ذلك الجزاء القائم على القسط بالذي يحجز فضل الله عنهم ، أو يحول بين رحمته وبينهم .. فإن من تمام العدل أنّه أخذ المسيء بإساءته ، أن يزاد للمحسن فى إحسانه ، لشرف الإحسان فى ذاته ، ولقدر العمل الصالح فى نفسه. فيشرف ـ لذلك ـ بالإحسان أهله ، ويكرم بالعمل الصالح ذووه .. وفى هذا يقول الحقّ جلّ وعلا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٢٦ : يونس).
أما الكافرون فلا شىء لهم فى الآخرة يقام لهم ميزان به ، إذ كانت كلّ أعمالهم ضلالا فى ضلال ، لأن أي عمل ـ مع الكفر ـ وإن كان فى باب الصالحات ، هو باطل لا وزن له ، إذ لم يزكّه الإيمان .. فهو أشبه بالحيوان الطيب لحمه ، الحلال أكله ، يموت حتف أنفه ، أو خنقا ، أو غرقا ..