بهذا التأويل كشف يوسف عن مضمون رؤيا الملك ومحتواها ، وأنها تنبىء عن الأحداث المقبلة التي ستجرى على مصر خلال أربعة عشر عاما آتية!
فالأعوام السبعة المقبلة ، هى أعوام خصب وزرع وثمر ..
والأعوام السبعة التي بعدها ، أعوام جدب وقحط ، لا تنبت زرعا ، ولا تطلع ثمرا ..
ولم يكتف يوسف بتأويل الرؤيا ، بل أعطى التدبير الحكيم الذي ينبغى أن يقوم إلى جانب مدلولها .. وبهذا كشف للناس عن موهبة سياسية نادرة ، وأطلعهم منه على بصيرة نافذة ، فى الإمساك بدفّة السفينة فى متلاطم الأمواج ، ليبلغ بها مرفأ الأمان والسلامة.
فكان أن نصح لهم بأن يجدّوا الجدّ كله خلال السنوات السبع المقبلة ، فى زرع كل ما استطاعوا زرعه من الحبّ ، الذي هو عماد الغذاء للناس .. ثم أن يمسكوا هذا الذي يجيئهم مما زرعوا ، دون أن يأخذوا شيئا منه ، إلا قليلا مما يأكلون .. ثم أن يدعوا هذا الذي احتفظوا به فى سنابله حتى لا يناله السّوس ، أو يمسّه العطب!
ومن هذا الذي ادخروه فى سنوات الرخاء والخصب ، يكون غذاؤهم فى سنوات الشدة والجدب!
ذلك هو التدبير أحكم التدبير ، لملاقاة هذه السنوات السبع العجاف التي ستطلع على الناس ، بعد سبع سنين من الخصب والرخاء ..
ـ وفى قوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) دعوة إلى التزام القصد والاعتدال خلال سنوات الخصب ، وأن على الناس فيها أن يأخذوا القليل مما يحتاجون إليه ، وأن يعيشوا فى حال أشبه بحال الحرب .. وبذلك يمكن أن يواجهوا هذه