أهله يتمزّقون بين يديه شيعا ، ورأى أتباعه وأحبابه يعذّبون بسياط الظلم بين يديه ، ويموتون تحت وطأة هذا العذاب ، كما رآهم وهم يخرجون مهاجرين ، فارّين من وجه هذا البلاء ، مخلّفين وراءهم أهلهم وديارهم وأموالهم .. ثم رآهم فى ميدان القتال يخرون صرعى ، يفدّونه بأنفسهم ، وبودّه لو فدّاهم بنفسه .. وهكذا كانت حياة النبىّ ساعة بساعة ، بل ولحظة لحظة ، مسيرة شاقّة على درب طويل من الآلام والمحن .. وبهذا استحقّ تلك المنزلة التي استوى بها على هامة الإنسانية كلها ، فكان سيد خلق الله ، وخاتم رسل الله ، وإمام أنبياء الله!!
وعلى هذا ، فإنّ لنا أن نفهم قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) على أن امرأة العزيز قد همّت به ، وأنه ـ عليهالسلام ـ همّ بها وكاد الأمر يقع ، لولا أن تداركه رحمة من ربّه ، فأقام هذا السبب المادىّ حائلا دون وقوع الفاحشة ..
وفى هذا تتجلّى رحمة الله بأوليائه ، ورعايته لهم!
ومن جهة أخرى ، فإن رسل الله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ليسوا من عالم الملائكة ، وإنما هم بشر ، تتحرك فى كيانهم نوازع الإنسان وشهواته ، وأنّهم يغالبون هذه النوازع ، ويمسكون زمام تلك الشهوات ، ولكن إلى مدى ، هو غاية ما يبلغه احتمال البشر .. حتى إذا كان النبىّ من أنبياء الله أو الرسول من رسله فى مواجهة تجربة كهذه التجربة ، التي استنفد فيها ـ كإنسان وكنبىّ معا ـ كلّ مالديه من صبر واحتمال ، بشرىّ ـ جاءت أمداد الله ، لتمد النبىّ فى هذه المعركة التي لا بد أن يكسبها ، ويكتب له النصر فيها ، وذلك لحساب النبوّة والرسالة ، ولحساب النبىّ كنبىّ والرسول كرسول .. تماما كما جاءت أمداد السّماء لتشارك فى معركة بدر ، ولتقوم إلى جانب الجهد الإنسانىّ ، فى كسب أول معركة للإسلام ، تلك المعركة التي كان لا بد له أن يكسبها!!