فقد صار بهم
التسخير إلى غاية القناعة!
«وكيف لا يكون ذلك
كذلك ، وأنت لو حركت ساكنى الآجام إلى الفيافي ، وساكنى السهل إلى الجبال ، وساكنى
الجبال إلى البحار ، وساكنى الوبر إلى المدر ، لأذاب قلوبهم الهمّ ، ولأتى عليهم
فرط النزاع!
«ولولا اختلاف
الأسباب ، لتنازعوا بلدة واحدة ، واسما واحدا وكنية واحدة!
«فقد صاروا ـ كما
ترى مع اختيار الأشياء المختلفة ـ إلى الأسماء القبيحة ، والألقاب السمجة ..
والأسماء مبذولة ، والصناعات مباحة ، والمتاجر مطلقة ، ووجوه الطرق مخلاة!
«ولكنها مطلقة فى
الظاهر ، مقسمة فى الباطن ، وإن كانوا لا يشعرون بالذي دبره الحكيم العليم من ذلك.
«فسبحان من حبب
إلى واحد أن يسمى ابنه محمدا ، وحبب إلى آخر أن يسمى ابنه شيطانا ، وحبب إلى آخر
أن يسميه عبد الله ، وحبب إلى آخر أن يسميه حمارا.
«لأن الناس لو لم
يخالف بين عللهم فى اختلاف الأسماء ، لجاز أن يجتمعوا على شىء واحد. وكان فى ذلك
بطلان العلامات ، وفساد المعاملات!
ثم يختم الجاحظ
هذه القضية بقوله :
«وأنت إذا رأيت
ألوانهم ، وشمائلهم ، واختلاف صورهم ، وسمعت لغاتهم ونغمهم ، علمت أن طبائعهم
وعللهم المحجوبة الباطنة ، على حسب أمورهم الظاهرة (أي أنها مختلفة فى صورها
وأشكالها كاختلاف أحوالهم الظاهرة).
وقد حرصنا أن ننقل
كلمات الجاحظ فى هذه القضية ، لأن الجاحظ لم