له ـ على سبيل الذم : يا حجام! والحجام لو رأى تقصيرا من صاحبه ، قال له : يا حائك!!
ثم يقول :
«ولولا أن الله تعالى أراد أن يجعل الاختلاف سبيلا للاتفاق والائتلاف ، لما جعل واحدا قصيرا ، وآخر طويلا ، وواحدا حسنا ، والآخر قبيحا ، وواحدا غنيا وآخر فقيرا ، وواحدا عاقلا وآخر مجنونا ، وواحدا ذكيا وآخر غبيا .. ولكن خالف بينهم ليختبرهم ، وبالاختيار يطيعون ، وبالطاعة يسعدون ..
«ففرق بينهم ليجمعهم ، وأحب أن يجمعهم على الطاعة ليجمعهم على المثوبة ، فسبحانه وتعالى ، ما أحسن ما أبلى وأولى ، وأحكم ما صنع ، وأتقن ما دبر!
ثم يمضى الجاحظ فيقول :
«لأن الناس لو رغبوا كلهم عن عار الحياكة لبقينا عراة ، ولو رغبوا أجمعهم عن كدّ البناء لبقينا بالعراء ، ولو رغبوا عن الفلاحة لذهبت الأقوات ، ولبطل أصل المعاش .. فسخرهم على غير إكراه ، ورغبهم من غير دعاء.
ثم يقول :
«ولولا اختلاف طبائع الناس وعللهم ، لما اختاروا من الأشياء إلا أحسنها ومن البلاد إلا أعدلها ، ومن الأمصار إلا أوسطها .. ولو كان ذلك لتناحروا على طلب الواسط(١) ، وتشاجروا على البلاد العليا ، ولما وسعهم بلد ، ولما تم بينهم صلح!
__________________
(١) الواسط : أي الوسط من كل شىء ، وهو أحسنه وأعدله.