قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ..
أي أن ما حلّ بالظالمين من هلاك هو قدر من قدر الله الواقع بهم ، وأنه ـ سبحانه ـ لو شاء لهداهم إلى الحقّ ، ولعافاهم من هذا البلاء .. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أي على حال واحدة من الإيمان ، أو الكفر ، ومن الهدى ، أو الضلال .. فليس ذلك بعزيز على الله .. ولكنه ـ سبحانه ـ خالف بينهم ، فجعلهم مؤمنين وكافرين ، ومهتدين وضالين. كما يقول سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (٢ : التغابن) ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) إشارة إلى أن هذا الاختلاف فى الناس أمر لازم اقتضته حكمة الله ، وجعلته سنّة قائمة فيهم .. فكما اختلفوا فى صورهم وأشكالهم ، وفى ألسنتهم وألوانهم ، وفى أممهم وأوطانهم ، وفى وجوه أعمالهم وأرزاقهم ـ اختلفوا كذلك فى معتقدهم فى الله ، فمنهم الكافرون ، ومنهم المؤمنون ، ومنهم أصحاب النار ، وأصحاب الجنة ، (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ممن ألف بين قلوبهم من المؤمنين ، فكانوا كيانا واحدا ، فى اتساق خطوهم على طريق الخير والهدى .. فكانوا كيانا واحدا ، وجسدا واحدا تنتظمه مشاعر واحدة .. وقليل ما هم ..
ـ وفى قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) توكيد لهذا الحكم الذي حكم الله به على العباد .. وأنهم هكذا خلقوا مختلفين ..
ـ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي وجبت كلمة ربك ـ وحقت ، وجاءت على تمامها وكمالها ، لا استثناء فيها ، وهى