التفسير :
* قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ).
مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أن الآيات السابقة جاءت آمرة بمعروف ، وناهية عن منكر ، ومنبّهة إلى أن فيما أمرت به ونهت عنه ، ذكرى لمن يعقل ، ولا يغفل عن مواقع العبرة والعظة.
ولما كان فى طبيعة الناس الغفلة عن مواقع الخير ، وهم لهذا يحتاجون دائما إلى من يقوم فيهم مذكّرا لهم ، آمرا بالخير ، ناهيا عن المنكر ـ فقد جاء قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) ـ ناعيا على الأمم السالفة التي أهلكها الله سبحانه بظلمها وضلالها ، أنها لم يكن فيها دعاة خير ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقفون بجوار أنبيائهم ، يشدون أزرهم ، ويشيعون فى الناس دعوتهم ، ويسدون على السفهاء نوافذ العدوان على الأنبياء وأتباع الأنبياء.
ـ وفى قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) إنكار لما كان عليه أهل القرون الماضية ، من فقدان أهل الخير بينهم ، ودعاة الإصلاح فيهم .. وتحريض للمسلمين ألا يكونوا كهؤلاء الأقوام ، بل يقوم من بينهم دعاة هدى وإصلاح ، كما يقول الله سبحانه وتعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (١٠٤ : آل عمران) ، وبهذا تقوى جبهة المؤمنين ، ويشتد ركن الإيمان ، وينفتح للناس الطريق إلى الهدى ، والنجاة من عذاب الله.
ـ وقوله تعالى (أُولُوا بَقِيَّةٍ) أي أصحاب دين وإيمان ، يعملون لما يبقى لهم عند الله فى الآخرة ، ومنه قوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي ما يبقى لكم