ولم يخلّفوا أثرا طيبا ينتفع به الناس بعدهم .. وإنما الذي تركوه هو ما يشهد عليهم بالبغي والضلال ، والفساد فى الأرض .. فكل من يمر بديارهم ، أو يستمع إلى أخبارهم ، لا يجد منهم إلا ريحا خبيثة ، تجعله ينفر منها ، ويلعن الجهة التي صدرت عنها .. «وأتبعوا فى هذه الدنيا لعنة» أي تبعتهم اللعنات بعد أن تركوا هذه الدنيا ، وذلك هو بعض ما غرسوا فيها من شر ، إذ لم تكن لهم صالحة فيما غرسوا ..
راحوا فما بكت الدنيا لمصرعهم |
|
ولا تعطّلت الأعياد والجمع |
وكذلك شأنهم فى الآخرة .. فإن أهل الإيمان ، إذ يرون ما ساق إليهم إيمانهم من نعيم ورضوان ، يجدون لذة إلى لذة فى أن يذكروا أهل الكفر ، وما ركبوا فى دنياهم من ضلال ، وأن يرموهم باللعنة إذ فوّتوا على أنفسهم هذا المقام الكريم ، وباعوها فى الدنيا بثمن بخس رذل! وفى هذا يقول الله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قالُوا نَعَمْ .. فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤ : الأعراف)
ـ وفى قوله تعالى : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ ..) تشهير بالقوم ، وإذاعة لجريمتهم فى الناس ، واستدعاء لكل ذى سمع ونظر ، أن يشهد هؤلاء القوم ، وينظر إليهم وهم متلبسون بهذا الجرم الغليظ ، فلا يقول فيهم إلا ما يسوءهم ويخزيهم.
وفى تكرار حرف الاستفتاح «ألا» وفى ذكر «قوم هود» بعد ذكر «عاد» .. فى هذا كله تأكيد لذواتهم ، التي توجّه إليها هذه اللعنات ، والتي تعرض فى معرض التشهير ، والتجريم ، حتى لا يقع أىّ لبس فى أنهم هم المقصودون بهذا ، وحتى لا يختلط أمرهم بغيرهم .. فإن التهمة خطيرة ، والحساب