وهو الهلاك .. سمّى أمرا ، لأنه قضاء نافذ لا يردّ ، فكلّ ما قضى الله سبحانه وتعالى به ، هو أمر ، واجب تنفيذه على من وقع عليه ، طوعا أو كرها .. (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٨٢ : يس).
وقد كان هذا الأمر الذي وقع على «عاد» هو ما رماهم الله سبحانه وتعالى به من مهلكات حملتها إليهم ريح صرصر عاتية .. وفى هذا يقول سبحانه : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ* سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٦ ـ ٨ : الحاقة).
وكرر فعل النجاة ، لأن الله نجّى «هودا» ومن معه من هذا البلاء فى الدنيا ، ومن العذاب فى الآخرة ، وذلك بما ساق إليهم من رحمته فهداهم إلى الإيمان ، وصرفهم عن الكفر ، وعزلهم عن القوم الكافرين ، فى الدنيا ، والآخرة ، على حين هلك الظالمون مهلكين .. مهلكا فى الدنيا ، ومهلكا فى الآخرة ..
قوله تعالى :
(وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).
فى الإشارة إلى جمع العقلاء بتلك ، إشارة إلى أنهم ليسوا جمعا ، وليسوا عقلاء .. ذلك أنهم قد صاروا ترابا فى التراب ، لم يبق من آثارهم إلا تلك الأطلال المتداعية ، التي يمرّ عليها أهل مكة فى تجارتهم إلى الشام .. فلا يجدون إلا خرابا مخيفا ، يحدّث عن انقلاب حلّ فى هذه المواطن ، فمسخ طبيعة كل شىء فيها .. أرضها ، وسمائها وجوها .. فلا تنبت الأرض شيئا ، حتى الشوك ، ولا تحمل السماء شيئا .. حتى السحاب الجهام ، ولا يتحرك بين أرضها وسمائها ريح .. حتى السّموم!