ولو كانت تحمل الخير خالصا مطلقا .. (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ؛ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ).
والبينة التي يطلبونها ، هى آية ماديّة ، تقهرهم ، وتضطرهم اضطرارا إلى الإيمان .. ولو أنه جاءهم بكل آية ما آمنوا ، لأنهم غير مستعدّين للإيمان .. فإن المستعدّ للإيمان ، وتقبّل الخير ، لا يحتاج إلى دليل يظاهره ، ولا إلى بيّنة تشهد له ، وحسب الإيمان بالله ، ما يحمل فى ذاته من أمارات الفلاح ، وما يسوق بين يديه من عافية ورزق كريم!
ولكن العناد كثيرا ما يفسد على المرء رأيه ، ويقطع عليه الطريق إلى الخير ..
لا لشىء إلا لأنه مدعوّ إليه من إنسان مثله ، ومحمول له على يد واحد من أبناء جنسه!
ـ «وما نحن لك بمؤمنين». كأنهم إنما يؤمنون لحساب «هود» وكأن إيمانهم ـ إذا آمنوا ـ مما يكسب هودا سلطانا عليهم ، ويقيم له دولة فيهم .. فهم لهذا يضنّون عليه بالاستجابة له ، ولو كان فى ذلك تفويت للخير الكثير الذي يقع لأيديهم من الإيمان .. إذ يرون ـ فى تصورهم الباطل هذا ـ أن ما يصيبهم من خير ـ إن كان فى دعوة هود خير ـ هو دون ما يصيب هودا نفسه ، إذا هم آمنوا له .. فليكن منهم هذا الإعراض عنه ، حتى لا يستحدث بإيمانهم له مكانا عاليا فيهم .. وهكذا يفعل الجهل ، والحسد .. بالناس!
– وقوله تعالى : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) ـ هو قول منهم فى مقابل القول الذي قاله «هود» لهم .. فالأمر فى نظرهم لا يعدو أن يكون كلاما فى كلام ، وأنه إذا كان لهود أن يقول ما قاله لهم ، فليقولوا هم له ، وليرموه بالضلال كما رماهم هو بالضلال .. «إن نقول إلّا اعتراك بعض آلهتنا بسوء» أي ليس لنا ردّ على قولك إلا هذا القول ، وهو أنك قد أصبت فى