ولكن هذا الابن كان غريبا ، غرس فى منبت سوء ، هى أمّه. فجاء ثمرة معطوبة فاسدة!
ـ وفى قوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .. إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ـ ما يسأل عنه :
إذ كيف ينهاه الله سبحانه وتعالى عن أن يسأله ما ليس له به علم؟ وهل يسأل الإنسان إلا عن الذي ليس له به علم؟ والجواب : أن المراد بالعلم هنا ، العلم الذي لا يقع فى متناول العقل البشرى ، لأنه علم فوق مستوى هذا العقل ، وقد استأثر به الله سبحانه وتعالى وحده ..
فالنهى الواقع على السؤال عما لا يعلم نوح ، هو نهى واقع على العلم الإلهى الذي لا يدركه نوح ، ولا يتّسع له عقله ..!
وفى قصة موسى والعبد الصالح ما يشير إلى شىء من هذا ، فقد سأل موسى العبد الصالح أن يعلّمه شيئا من هذا العلم الذي وهبه الله العبد الصالح ، واختصه به ، وذلك فى قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ..) ولهذا قال له موسى : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)؟ وكان جواب العبد الصالح له : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)؟ إنه علم تحار أمامه العقول ، وتزيغ به الأبصار .. لأنه علم فوق مستواها ، وأكبر مما تحتمل .. كالضوء الباهر تحدّق فيه العين ، فيحجبها ضوءه عن أن ترى شيئا ، حتى لكأنها فى ظلام دامس مطبق!
ولهذا جاء قوله تعالى لنوح : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) منبها له إلى أن هناك علما لا يعلمه نوح ، ولا يحتمل وقعه على مدركاته .. فليعلم