وفى قصر الحديث معهم على الإغواء ، وهو الإضلال ، دون الحديث عن الهداية والإرشاد إلى الإيمان ـ إشارة إلى أنّهم لن يكونوا إلا هكذا ، وأن الله سبحانه وتعالى ، قد أخبر أنهم لن يؤمنوا ، كما قال تعالى بعد ذلك : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) ..
ـ وفى قوله : (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) مع أنه ينصح لهم فعلا ، إشارة لى أنه لو أراد معاودة النصح ، ومراجعتهم فى موقفهم ، بعد أن قطعوا عليه لطريق بقولهم : «يا نوح .. قد جادلتنا فأكثرت جدالنا» ـ إنه إن أراد أن يجدّد النصح ويعاوده ، فلن ينفعهم ذلك ، إن كان الله قد أراد لهم الضلال وكتب عليهم الكفر.
قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) ـ هو حديث إلى المشركين من قريش وأحزابهم ، وفضح لما يدور فى خواطرهم ، ويتردد فى صدورهم ، ويتحرك على شفاههم من اتهام للنبىّ بأنه افترى هذا الحديث الذي تحدّث به عن نوح وقومه ، أو أنه افترى هذا القرآن الذي يحدثهم به ، وأنه ليس وحيا من عند الله ، كما يقول ..
وقد ردّ الله عليهم بقوله للنبىّ : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي إن يكن ما جئت به هو اختلاق وكذب ، فهو جريمة منكرة ، وإثم غليظ .. ولكن تبعة هذا الجرم علىّ وحدي ، إن يكن ما جئت به مفترى على الله .. وليس عليكم منه شىء ، وإنما عليكم تبعة هذا الجرم الذي أنتم فيه ، وهو الكفر بالله .. وأنا برىء مما أجرمتم ، وممّا يصيبكم منه من عذاب عظيم.
وقد جاءت هذه الآية فى ثنايا قصة «نوح» ليلتفت إليها المشركون ، وكأنّها قصتهم .. ثم لينتبهوا إلى ما سيجيئ بعدها .. من أخذ الله سبحانه وتعالى للظالمين والمكذبين.