«يا نوح : قد جادلتنا فأكثرت جدالنا» .. وإنه لجدل عقيم ، قد تصدّعت له الرءوس .. فأعفنا من جدلك هذا ، وهيّا ائتنا بما تعدنا من العذاب ، إن كنت من الصادقين!!
هكذا منطق السفهاء والحمقى ، مع دعاة الخير ، وقادة الناس إلى الهدى والرشاد! تطاول ، وسفاهة ، وسخرية ، واستهزاء .. ثم تحدّ وقاح لما أنذروا به من عذاب الله .. إنهم ينكرون أن يكون نوح على صلة بالله ، ويرون ما أنذرهم به ليس إلا من مفترياته على الله .. فليأت بهذا العذاب إن كان من الصادقين.
وفى لطف ووداعة ولين ، وتواضع ، يلقى هذا التحدي .. فيقول ما حكاه القرآن عنه ، فى قوله تعالى :
*: (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).
فذلك ليس أمره إلى يدى ، وإنما أمره إلى الله ، ينزله بكم حيث شاء علمه ، وقضت إرادته .. ولستم بالذين يعجزون الله ، أو يجدون مهربا من وجه العذاب الذي يأخذكم به ، حين يشاء!
*: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
وليس لى كذلك أمر هدايتكم وإرشادكم ، والانتقال بكم من الضلال إلى الهدى ، ومن الكفر إلى الإيمان .. فذلك أمره إلى الله وحده .. فإن كان الله سبحانه وتعالى قد أراد بكم ألّا تبصروا من عمى ، وألا تهتدوا من ضلال ، فذلك شأنه فيكم ، وحكمه عليكم ، وأنتم مربوبون له ، وهو ربكم ، وإليه مرجعكم .. إن شاء عذّبكم ، وإن شاء عفا عنكم ..