هذيان المحموم ، ترتعد فرائصه ، وتختلج قدماه ، ثم ينعقد لسانه ، وتسكن حركته ، فلا يلقى قريشا ولا قريشا تلقاه فى مجلس بعدها أبدا ..!
وقد ذكرنا هذه القصة ، لنقول : إنّ الوليد بن المغيرة هو المشار إليه فى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها ، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ* وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ).
وهذا القول لم نجد أحدا من المفسّرين قال به ، أو أشار إليه .. بل لقد تضاربت بهم مذاهب القول ، فمن قائل : إنه «بلعم بن باعوراء» من الكنعانيين ، وقيل إنه من بنى إسرائيل ، ومن قائل إنه : «أمية بن الصلت» ، ومن قائل : إنه «النعمان بن صيفى الراهب» .. ولا نرى قولا من هذه الأقوال يعطى مفهوما للآية من قريب أو بعيد ..
ولو لا أننا استشعرنا أن القرآن لا يقول مخاطبا النبي : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) إلا إذا كانت هناك قصة يتلوها النبىّ عليهم فى شأن هذا الرجل ، فإن لم تكن هناك قصة يذكرها القرآن عن هذا الرجل فى هذا الموقف فلا بد أن تكون هناك قصة مذكورة مشهورة فى موضع آخر ، يعلمها القوم عن يقين ، ولا يحتاج الأمر إلى ذكرها مرة أخرى ـ لو لا أننا استشعرنا هذا لما كان لنا قول نقوله فى رجل هذه القصة.
ثم إذا نظرنا فى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) وفى قوله تعالى عن الوليد بن المغيرة : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ثم ذكرنا مع هذا ما كان للآيات التي تلاها الرسول الكريم عليه ، وأثرها فيه ، واستيلاءها على كيانه ، ثم نكوصه عنها بعد ذلك ، وانسلاخه منها بعد أن لبسها ـ