ورضيت قريش بما أخذت من الوليد ، ومضى الوليد محموما إلى بيته ، محمولا على رجلين لا تكاد ان تمسكان به .. ويغلق عليه بابه ، ويخلو بنفسه ليلا طويلا مسهّدا ، لا تغمض له عين ..
وما تكاد تطلع الشمس ، وتأخذ مسيرتها إلى الضحى ، حتى يجىء إلى الوليد من بطرق على بابه فى طرقات صارخة ، كأنها النذير العريان ..
ويدخل الطارق ، ويلقاه الوليد مستنبئا .. فيقول له : اجلس أسمعك : ويجلس الوليد ، فيسمع : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً* وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً* ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ* كَلَّا .. إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً* سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً* إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ* سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)
(١١ ـ ٣٠ : سورة المدّثّر)
ـ ما هذا؟ يا هذا؟
يقولها الوليد مبهور الأنفاس ، مختنق الصوت ، ينتفض انتفاض الغصن تحت وابل منهمر!
ـ إنه الذي يتحدث به محمد ، ويتصايح به أصحابه ، ويتغنّى به الصبيان فى طرقات مكة وشعابها .. من قرآن محمد!
ـ أوقد فعلها محمد؟ أو أنا الذي من بين قريش كلّها الذي يجعلنى محمد هزأة وسخرية على الملأ؟ والله لأفعلنّ به ولأفعلنّ!! ويظل هكذا يهذى