معهم ، وأن عليهم أن يهيئوا أنفسهم لها منذ اليوم ، وأن ينظروا فيها ، ويحدّدوا موقفهم منها .. وهذا من أنباء الغيب التي حملها القرآن ، وأخبر بها قبل أن تقع.
وإذ انتهت قصة موسى وقومه ، وإذ تكشف الآيات القرآنية عن القوم وعما فى قلوبهم من مرض ، وما فى طباعهم من لؤم ومكر ـ فقد ناسب ذلك أن تأتى آيات أخرى تكشف عن طبيعة القوم ، وتعرض صورا من كفرهم بنعم الله ، ومكرهم بآياته ، وفى هذا نذير لمشركى مكة إن هم جروا على سنّة هؤلاء القوم مع رسل الله ، وإن هم أخذوا عنهم ما يلقون به إليهم من زيف القول ، يكيدون به للرسول الكريم.
وقوله تعالى : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) .. هو سؤال إلى اليهود لم يلقهم به النبي لقاء مباشرا ، وإنما نقل إليهم من كفار قريش الذين كانوا يتعاملون مع اليهود فى التّصدّي للنبىّ ، وفى نصب المزالق والعثرات له .. إذ كان اليهود يلتقطون أخبار النبىّ وما ينزل عليه من قرآن ، أولا بأول ، فيجدون القرآن يحدّث عنهم ، ويفضح تاريخهم الأسود مع أنبيائهم دون أن يلتفت إليهم النبىّ الكريم ، وأن يلقاهم بوجهه .. وهذا مما يثير القلق والاضطراب فى نفوسهم ، ويجعلهم والقرآن وجها لوجه ، من غير أن يكون للرسول موقف معهم ، يمكنهم من أن ينالوا منه منالا ..!!
والقرية التي كانت حاضرة البحر ، هى إحدى القرى التي كانت لبنى إسرائيل ، على شاطىء بحيرة طبرية ، أو شاطىء البحر المتوسط .. وكونها حاضرة البحر ، أي قائمة عليه ، وبمحضر منه ، أي ليست بعيدة عنه ، بل هى مشرفة عليه.
(إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) ..