عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فيلقاهما الله سبحانه بقوله : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) (٨٨ ـ ٨٩ : يونس).
أما هنا ، إذ يدعو موسى ربه له ولأخيه ولقومه ، فلا يقبل الله هذا الدعاء على إطلاقه ، بل يقبله فى المؤمنين ، الذين يستقيمون على طريق الإيمان والخير : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وفى تقديم العذاب إشارة إلى أن العذاب هو الجزاء المرصود لبنى إسرائيل ، وأن الرحمة التي تنالهم ، هى الرحمة العامة التي تسع الوجود كله ، حتى أهل النار فى النار!
والسؤال هنا : ما معنى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) إذا كانت لا تنال العصاة والضالين والكافرين؟ ، أليس هؤلاء العصاة الضالون الكافرون من أشياء هذا الوجود؟. فكيف لا تسعهم رحمة الله التي وسعت كل شىء؟.
والجواب على هذا : أن كتابة الرحمة شيء ، وسعتها للناس شىء آخر.
فالكتابة لمن كتبت لهم الرحمة تعنى ـ كما قلنا ـ تقريرها ووقوعها ، وشمولها ، فمن كتبت لهم الرحمة ـ جعلنا الله منهم ـ فهم السعداء ، الذين تفتح لهم أبواب الجنة ، ويلقّون فيها تحيّة وسلاما .. وأما سعة الرحمة فإن الوجود جميعه ـ علوه وسفله ـ والناس جميعا ـ برّهم وفاجرهم ـ داخلون فى رحمة الله ، التي وسعت كل شىء .. وقد قلنا من قبل إن الوجود فى ذاته ـ على أسوأ وجه يراه الإنسان ـ هو فى ذاته نعمة ، ورحمة ، لأنه خير من العدم .. ثم إن العصاة ـ فى الدنيا ـ لم يحجب الله عنهم نعمه ، ولم يحرمهم رزقه ، ولم يصبهم فى جوارحهم التي يعيشون بها مثل سائر الناس.
وأصحاب النار وهم فى النار ، هم ممن وسعتهم رحمة الله ، إذ هناك عذاب فوق هذا العذاب ، وبلاء أكبر من هذا البلاء ، وقد وقف الله بهم عند هذا