لما يقتضيه السياق
، وهو أن يعود الضمير على الله والرسول هكذا : «يرضوهما» ـ فى هذه المخالفة ما
يشعر بأن فى رضى الله رضى الرسول ، وأن فى رضى الرسول رضى الله سبحانه وتعالى ..
إذ ليس فيما يرضى الله ما لا يرضى الرسول ، ولا فيما يرضى الرسول ما لا يرضى الله
..
ولو جاء النظم على
ما يقتضيه ظاهر السياق ، فجاء هكذا : «والله ورسوله أحقّ أن يرضوهما ..» ـ لكان من
معنى هذا ، أن لله سبحانه وتعالى ما يرضيه من عباده ، وأن للرسول ـ صلوات الله
وسلامه عليه ـ ما يرضيه منهم ، وأن هذا الذي يرضى الله ، وذلك الذي يرضى الرسول ،
قد يتفقان ، وقد يختلفان ..
أما الذي جاء عليه
النظم القرآنى ، فإنه لا يدع مجالا لهذا الاحتمال ، بل يجعل التوافق تأمّا مطلقا ،
بين ما يرضى الله ، ويرضى رسول الله .. وفى هذا ـ فوق أنه تكريم للرسول ، وتنويه
بقدره ، وتشريف للرسالة الكريمة التي يحملها ـ هو إعجاز من القرآن ، فى إحكام نظمه
، وصدق أدائه ، ووزن كلماته وحروفه ، بمعيار لا تستطيع قوة بشريّة أن تمسك به ،
لدقّته ، وعلوّه عن مستوى الحواس والمدركات.
ومن جهة أخرى ،
فإنه لو عاد الضمير على الله والرسول معا ، لكان فيه إخلال بمقام الألوهية ،
وتسوية الخالق بمخلوق من مخلوقاته ، والله سبحانه وتعالى منزّه عن أن يشاركه فى
جلاله بشر ، ولو كان أكرم الخلق عليه!. فاقتضى هذا المقام أن يجىء الضمير مفردا ،
يعود إلى الله سبحانه ، وكفى الرسول الكريم شرفا أن يجىء تابعا لله سبحانه فيما
يرضيه .. وعلى هذا جاء قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ولم يجىء النظم هكذا : «أن الله ورسوله بريئان من المشركين
..» فهذا وذاك على سواء.