دينهم ، وأن يعقدوا معهم حلفا ضدّ دولة العرب الناشئة ..
ولهذا بادر النبىّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى مبادأة القوم ، وأخذ السبيل عليهم إلى الغاية التي أرادوها .. فدعا المسلمين إلى الجهاد ، وأراهم الوجه الذي يقصده ، والغاية التي يريدها ، وقد كان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا أراد الغزو لم يكشف عن الجهة التي يقصدها ، ولا القوم الذين يقاتلهم .. أما فى هذه الغزوة ، فقد كشف للمسلمين عنها ، وأعلمهم أنه يريد حرب الروم .. وذلك حتى يأخذ المجاهدون الأمر عدّته ، ويعملوا له حسابه ، إذ كانت الشقّة بعيدة ، والعدوّ كثير العدد والعدّة.
وكانت دعوة النبىّ إلى لقاء الروم فى أعقاب سنة شديدة الجدب ، تخلّف فيها المطر ، فأضرّ بالناس ، والزروع والأنعام ، وقد حضر بين يدى الناس ما نضج من ثمار النخيل والأعناب ، على قلته ، وشدة الحاجة إليه .. فكان ذلك ابتلاء .. لأنهم يدعون إلى القتال بعد سنة قاسية مجدبة ، وفى موجات عاتية من حرور وسموم .. على حين قد حضرهم شىء من نضيج الثمار ، وفىء الظلال .. فليس بعد هذا الابتلاء ابتلاء ، ولا وراء هذا الامتحان ، امتحان ..
وتعالت حكمة الله ، الذي أراد أن يمحّص ما فى صدور المؤمنين من إيمان ، وليبتلى ما فى قلوبهم من ولاء لله ولرسوله .. فإن قسوة هذا الامتحان ، هى التي تكشف عن معدن الإيمان ، حتى يرى المؤمنون حظوظهم منه ، وذلك بعد أن تمت الرسالة ، وبلغت الدعوة غايتها.
وقد كشف هذا الامتحان فعلا عن أكثر من حقيقة :
فهناك مؤمنون لا يعرفون غير السمع والطاعة لله ولرسوله .. ولا يؤثرون على ولائهم لله ولرسوله ، نفسا أو مالا أو ولدا ..
فهؤلاء السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار .. ما إن سمعوا دعوة