الأرض ، حين يدعو داعى الحق : أن حىّ على الجهاد فى سبيل الله ..
وفى قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) إنكار على هؤلاء الذين يفاضلون بين الحياة الدنيا والآخرة ، بل ويفضّلون الحياة الدنيا على الآخرة ، بعد أن رأوا بأعينهم ما انكشف لهم من قوله تعالى : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ..) فذلك غبن فاحش لا يرضاه عاقل لنفسه ، ولا يصبر عليه لحظة ، إن هو وقع فيه.
ثم يجىء قوله تعالى : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) حقيقة كاشفة مقررّة ، يجدها بين يديه من لم ينكشف لبصره أو لبصيرته ما حملت من كلمات الله إليه من عرض هذا الوضع السيء الذي هو فيه من تثاقل إلى الأرض ، ومن إيثار الحياة الدنيا على الآخرة ، وما على هذه الأرض على ما فى السماء!
يجىء بعد هذا قوله تعالى : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ يجىء حاملا مقارع من حديد ، يوقظ بها هؤلاء النيام الذين لا توقظهم العبرة ولا الموعظة الحسنة .. إنهم إن لم ينتزعوا أنفسهم من هذه الأرض التي لصقوا بها ، وإن لم يخفّوا إلى القتال مسرعين ، أخذهم الله بعذابه ، وأنزلهم منازل الهوان والنقمة ، وأقام مقامهم قوما آخرين ، يجاهدون فى سبيل الله ، ويأخذون هذا المقام الكريم الذي كان مهيأ لهم من قبل ، فتخلّوا عنهم مختارين ، حين تثاقلوا عن الجهاد ، واستحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة .. وإنهم بهذا قد أوقعوا الضرر بأنفسهم ، وأخذوا الطريق المؤدّى بهم إلى الهلاك ، ولن يضروا الله شيئا .. فإن الله ـ سبحانه ـ غنىّ عن العالمين .. وإن له ـ سبحانه ـ أولياء كثيرين ، ينصرون دينه ، ويجاهدون فى سبيله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) (٣٨ : محمد).
فتلك هى سنّة الله فى عباده (لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)