أهوائهم ما أفسدها ، حتى هذه الأشهر .. فقد استثقلوها ، وضاقوا بأن تظلّهم ثلاثة أشهر متوالية دون قتال ، هى ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .. فكانوا يعمدون إلى شهر المحرم فينسئونه ، أي يؤخرونه إلى صفر ، ويقيمون صفر مقامه ، وبهذا يخلعون على المحرم اسم صفر ، ويبيحون فيه القتال ، ويسمّون صفر محرّما ، ويحرمون فيه القتال .. وكأنهم بهذا قد أقاموا الشريعة التي يدينون بها!! أليسوا قد حرّموا أربعة أشهر؟ وماذا فى استبدال شهر بشهر؟
هكذا ، يبدّلون فى شرع الله ، ليرضوا أهواءهم ، وليقيموا لهم شرعا يحلّونه عاما ، ويحرمونه عاما!.
والنسيء ، والنّسأ : التأخير ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «من سرّه أن يبسط له فى رزقه ، وينسأ له فى أثره فليصل رحمه».
والضمير فى قوله سبحانه : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) يعود إلى هذا الشهر ـ شهر المحرم ـ الذي كانوا إذا اقتضت دواعيهم للحرب أنسئوه ، وإذا لم تدع للقتال داعية عندهم ، تركوه على حاله ..
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى «النسيء» بمعنى أنهم يعملون بالنسيء عاما ، ولا يعملون به عاما ، حسب ما تقتضى دواعى الحال عندهم .. وهنا يمكن أن يكون النسيء مرادا لكل شهر من الأشهر الحرم ، فيقدمون ويؤخرون فيها حسب ما يشاءون ..
وليس المراد بقوله تعالى : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) أنهم يلتزمون ذلك عاما بعد عام .. وإنما المراد به عدم ثباتهم على وضع واحد مع هذه الأشهر ، بل يتلاعبون بها حسب دواعى أحوالهم.
وقوله سبحانه : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي ليوافقوا فى عملهم هذا