الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض .. السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان» .. (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أي أن هذه الدعوة التي تدعو إلى السلام وتجنّب القتال فى الأشهر الحرم ، وإن كان حتما على المسلمين أن يمتثلوها ، ويحققوها من جانبهم ، إلا أنها لا تحمل المسلمين على التهاون فى قتال المشركين ، وترك الإعداد لحربهم .. لأن المشركين لا يحترمون هذه الدعوة ، ولا يستقيمون عليها ، ولا يدعون المسلمين فى أمن وسلام ، إذا هم قدروا على قتالهم ، ووجدوا الفرصة السانحة لهم فيهم ..
وهذا هو السرّ فى عطف هذا الأمر : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) على النهى السابق فى قوله سبحانه : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) ..
إذ أن هذا النهى يقتضى الكفّ عن القتال فى هذه الأشهر الحرم ، خاصة ، وفى غيرها ، عامة ، إذا لم يكن من المشركين عدوان على المؤمنين .. وهذا من شأنه ـ لو أطلق ـ أن يحمل المسلمين على طلب المسالمة والموادعة ، وترك الاستعداد للحرب ، والانخلاع عن مشاعر القتال ، فى حين أن المشركين على غير هذا الموقف ، لأنهم أبدا على عداوة مضمرة أو ظاهرة للمؤمنين ، وأنهم إذا وجدوا فرصة للنيل منهم فلن يمسكهم عن ذلك عهد أو قرابة : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) .. فكان إتباع هذا النهى بذلك الأمر : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). كان وضعا للنهى بموضعه الصحيح ، فيكون دعوة للسّلم ، مع الحذر من خطر الحرب ، ومع مراقبة العدوّ ، والإعداد لدفع عدوانه إن حدثته نفسه بعدوان ..
وقوله تعالى «كافّة» أي جميعا : وأصله من الكفّ عن الشيء .. بمعنى كفّ نفسه عن الأمر أي دفعها عنه ، وكف العدوّ ، أي دفعه وردّه ..