ذلك أنهم إذ جعلوا لله سبحانه أن يتخذ ابنا ، وإذ أقاموا فى معتقد أتباعهم هذا التصور ، فإن ذلك يفسح لهم مجال القول بأنهم من الله بمنزلة الأبناء أو الأحفاد ، ومن ثمّ ساغ لهم أن يفرضوا على الناس هذا السلطان الدينىّ يحكم صلتهم بالله ، وأن لهم الكلمة عند الله فى قبول من يقبلونه ، وفى ردّ من يردونه ، وبهذا السلطان الذي جعلوه لهم عند الله كان فرضا لازما على أتباعهم أن يحكّموهم فى كل شىء لهم ، من مال ومتاع ، بعد أن حكموهم فى دينهم ومعتقدهم .. ومن هنا تسلّط كثير من الأحبار والرهبان على أكل أموال الناس بهذا الباطل ، الذي زينوه لهم ، ودخلوا عليهم منه ..
وانظر إلى تلك الدعوة ـ دعوة الإسلام ـ التي تقوم على الإيمان بالله وحده إيمانا خالصا من الشرك ، مبرأ من الوساطات ، التي تقوم بين الإنسان وربّه ـ أتجد لإنسان ـ مهما يكن فى الناس ـ أن يتسلط على إنسان فى معتقده ، أو يعترض طريقه إلى الله ، أو أن يضع بين يديه صكّا يأذن له فيه بلقاء الله ؛ وطلب مغفرته ورضوانه؟ ذلك ما لا يكون فى دعوة تضع الناس جميعا أمام إله متفرد بالألوهية ، لا شريك له ، من صاحبة أو ولد ، أو حبر أو راهب .. إن الحريّة الشخصية التي هى دين الإنسان العصرى اليوم ، تنقضها تماما تلك الوصاية الدينية التي يفرضها عليه رجال الدين ، ويحولون بينه وبين أن ينظر فى أمور عقيدته ، وأن يعرضها على عقله .. والإسلام وحده ، هو الذي يمنح الإنسان هذه الحرية المطلقة فى النظر فيه ، وعرض كل حقائقه على عقله .. بل إن الإسلام لا يرضى ممن يؤمن به أن يأخذه عن طريق غير طريق عقله وإدراكه ، وأن يتلقّاه متابعا مقلّدا.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) .. هو وعيد لهؤلاء الأحبار والرهبان ،