جزية لأنها إمّا من الجزاء ، فى مقابل الذنب الذي ارتكبوه بإفساد عقيدتهم ، وإمّا من المجازاة ، فى مقابل حفظ نفوسهم ، وصيانتهم من القتل.
ويجىء الأمر هنا بقتال الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، بعد أن انكشف للمسلمين موقفهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر ، وبعد أن نهاهم الله سبحانه وتعالى عن موالاة غير المؤمنين ، حتى ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم .. ثم بعد أن ذكر الله سبحانه نصره لهم فى مواطن كثيرة ، لم يكن بين أيديهم فيها من وسائل الغلب والنصر شىء ..
وإذ يجىء الأمر بقتال الذين لا يؤمنون بالله ، بعد هذا الموقف الذي أثار مشاعر المسلمين ، وقوّى عزائمهم ، ووثق إيمانهم ـ فإنه يقع موقعه من نفوسهم ، ويثمر ثمرته الطيبة فيهم ، إذ يقبلون على القتال ، وقد خلت نفوسهم من مشاعر المودة بينهم وبين الذين لا يؤمنون بالله ، ولو كانوا أقرب الناس .. فلا يلتفت المجاهد إلى أهل أو مال ، ولا ينظر إلى نفسه أكثر مما ينظر إلى دينه ، والانتصار له ، ودفع يد العدوّ عنه ..
وقد جاء الأمر بقتال الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فى صيغة العموم هكذا : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ..) الآية».
وهذه الآية من سورة التوبة كما ترى ، وقد نزلت بعد أن فتح النبىّ مكة ، وبعد أن هزمت هوازن فى حنين ، وبعد أن بسط الإسلام سلطانه على الجزيرة العربية كلّها ..
والسؤال هنا هو : إلى من يتّجه الأمر إلى المسلمين بقتالهم ، بعد أن دخل العرب فى الإسلام؟.
والجواب على هذا ، هو ما تضمنه قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ