وإما أن يكون استئنافا ، هو جواب لسؤال مقدر ، وتقديره : «من أين جاء هذا الحكم الذي قرّرته الآية فى قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)؟ فكان الجواب : (فِي كِتابِ اللهِ) أي فى علم الله ، وفيما أقام العباد عليه ، حيث جعل بين أولى الأرحام مودة ، ورحمة ، وولاء .. ومثل هذا ما جاء فى قوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي فى علمه وتقديره ، وتدبيره .. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء.
هذا ، وقد ذهب أكثر المفسّرين إلى أن قوله تعالى : .. (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) هو مراد به الولاية فى التوارث ، بحكم القرابة بينهم ، على ما جاء فى كتاب الله سبحانه ، فى أحكام الميراث .. وعلى هذا تكون هذه الآية ناسخة لما قررته الآيات السابقة فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ..) إلى قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ).
وقد روى عن ابن عباس قال : «آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه ، وورّث بعضهم من بعض ، حتى نزلت هذه الآية ، فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.
ويروى عن ابن عباس أيضا ، أنه استدل بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) على توريث ذوى الأرحام الذين ذكرهم الفرضيون ، وذلك لأنها نسخ بها التوارث بالهجرة ولم يفرّق بين العصبيات وغيرهم ، فيدخل من لا تسمية (١) لهم ، ولا تعصب ، وهم .. هم (أي ذوو الأرحام) ..
__________________
(١) أي من لم يذكروا فى آية المواريث.