بعض الأسرار التي جاء عليها النظم القرآنى فى تنكير المغفرة والرزق الكريم ، حيث يراد بهما العموم والشمول ..
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ).
هذا إغراء لمن تحدّثه نفسه ، وتنزع به همته أن يكون فى هذا الموكب الكريم الذي انتظم أولئك الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى هذا الوصف الكريم ، وحلّاهم بحلية الإيمان الكامل ، وأنزلهم منازل مغفرته ورضوانه .. إغراء لكل من يطلب هذا المقام الكريم أن يستحثّ خطاه إليه ، وأن يتخفف من كل ما يمسكه عن الهجرة ، فيهاجر إلى من سبقوه إلى دار الهجرة ، وهناك سيأخذ مكانه بينهم ، وينزل حيث أنزلهم الله فى منازل فضله وإحسانه .. فإن الطريق إلى الله مفتوح دائما ، ورحمة الله تسع كل شىء ، وعطاؤه موصول لا ينقطع ، ولا ينفد.
وفى قوله تعالى بعد هذا : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) إشارة إلى ما بين المؤمنين ـ من سبق منهم ومن لحق ـ من نسب قريب ، ورحم ماسّة .. فيهم جميعا أبناء أب واحد ، هو الإسلام ، الذي يولدون فيه حالا بعد حال ، وجيلا بعد جيل.
وقوله سبحانه : (فِي كِتابِ اللهِ) يحتمل وجهين : إما أن يكون متعلقا بقوله تعالى : «أولى» ويكون المعنى : وأولوا الأرحام ـ أي المؤمنون ـ بعضهم أولى ببعض فيما جاء فى كتاب الله ، أي دين الله ، الذي حمله كتاب الله وهو القرآن .. بمعنى أن ولاء المؤمنين بعضهم لبعض ، إنما هو فيما هو حق وخير وإحسان ، وهذا الخير والإحسان مما هو فى كتاب الله ، الذي آمنوا به ، ودانوا بشريعته.