والأمر بتحريض النبىّ للمؤمنين على القتال ، إنما جاء بعد أن أمروا بأن يعدّوا لقتال العدوّ ما استطاعوا من عدد الحرب ووسائل القتال ، من سلاح ، وعتاد ، وخيل .. وذلك بعد أن أعدّوا الرّجال الذين راضوا أنفسهم على الجهاد فى سبيل الله ، ووطنوها على الاستشهاد ابتغاء مرضاة الله ..
فإذا جاء النبيّ بعد هذا يحرّض المؤمنين على القتال ، ويستحثهم له ، ويغريهم به ، وجد قلوبا صاغية إليه ، ونفوسا مستجيبة لما يندبهم له ، إذ كان إنما يدعو مؤمنين استجابوا للحرب ، ويستحث جنودا أعدوا أنفسهم للحرب ، ورصدوها للدفاع عن دين الله ، وملئوا أيديهم بالسلاح ، كما ملئوا قلوبهم بالإيمان.
وفى قوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) ـ أمور .. منها :
أولا : هل هذا الشرط خبر فى لفظه ومعناه .. بمعنى أن المراد به الكشف عن قدر المؤمنين ، وما بينهم وبين الكافرين من بعد بعيد فى القوة .. أم أنه خبر أريد به الأمر والإلزام ، بمعنى أنه مطلوب من المؤمنين ديانة وشرعا ، أن يثبت فى ميدان القتال لعشرة من الكافرين .. فإن فرّ ، أو نكل كان آثما ..؟
أجمع المفسّرون على أن هذا الشرط خبر مراد به الأمر ، وأن واجبا على المسلم أن يثبت للعشرة من العدوّ فى ميدان القتال ، وأن يغلبهم ، فإن فرّ أو نكث كان آثما ، بل ذهب بعضهم إلى أكثر من هذا ، فقال : إن المسلم إذا لم يقتل العشرة ، بل قتل هو ، كان آثما ، لأنه لم يحقق ما أمره الله به ، وهو أن يغلب العشرة ، لا أن يثبت لقتالهم وحسب!