وهذا يعنى أن من بعد آل فرعون من الظّلمة والآثمين ، وإن أخذ بعضهم بهذا العقاب ، فإن آخرين ـ ومنهم المشركون والمنافقون الذين عاصروا النبوة ـ ينتظرون وقوع هذا الحكم بهم ، وأن الباب قد فتح لهم ليدخلوا فيما دخل فيه الظالمون قبلهم .. وفى هذا تهديد ، ووعيد لمن كان على هذا الطريق ، أو سيكون عليه ، لينجو بنفسه ، ويأخذ سبيلا غير هذه السبيل التي هو عليها.
وقوله سبحانه : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ـ هو دعوة عامة للناس جميعا ، مؤمنهم وكافرهم ، طائعهم وعاصيهم ؛ أن يوجهوا وجوههم إلى الله ، وأن يستقيموا على طريق الحقّ والخير ، فإنهم إن فعلوا هذا أمنوا تلك النوازل التي تنزل بأعداء الله ، وتدمّر ما بنوا ، وتخرّب ما عمروا .. فالله سبحانه لا يسلب عباده نعمة من نعمه التي فضل بها عليهم ، إلا إذا أحدثوا من الأمور ما يعرضهم لانتقام الله منهم ، بسلب ما منحهم من فضله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) وتغيير ما بأنفسهم ، هو تحولهم من حال سيئة إلى حال أكثر سوءا .. (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع ما تنطق به الألسنة ، من خير أو شر ، ويعلم ما تنطوى عليه القلوب ، من إيمان أو كفر ..
وهذه الآية إنما تعنى أولا وبالذات أهل الزيغ والضلال ، وتحذّرهم من أن يقيموا على ما هم عليه من زيغ وضلال ، فإن ذلك مؤذن بأن يبدّل الله نعمهم نقما ، وأن بغير حالهم من سوء إلى أسوأ ..
والسؤال هنا هو :
كيف تقع غير الله بالظالمين والطغاة ، وهم على ما عهدتهم الحياة من ظلم وطغيان .. لم يغيروا ما بأنفسهم من بغى ، وظلم وعدوان؟ إن ما ينزل بهم من نقم