فكرهتهما ، فنفختهما فطارتا ، فأوّلتهما هذين الكذابين» .. وهما مسيلمة الكذاب ، والأسود العنسي .. اللذان ادعيا النبوّة ..
وهنا .. هذه الرؤيا التي رآها النبىّ ، من قلّة جيش المشركين فى غزوة بدر ، هى فى الواقع صورة صادقة لهذا الجيش ، ودلالة ناطقة تحدث بجميع الدلالات التي يدل عليها ..
فهو جيش كثير كثيف فى ظاهره ، ولكنه قليل ضئيل فى مضمونه وصميمه ..
هكذا كان تأويل هذه الرؤيا ، وقد جاء الواقع ناطقا بأبلغ بيان وأروع وأسلوب بصدق هذا التأويل!.
فلقد انهزم هذا الجيش الكثير الكثيف بيد تلك القلّة القليلة ، ومنى منها بالخزي والخسران ـ بما لم يمن به جيش أقل منه عددا وعدّة! فهو جيش كثير كثيف فى كتلته ، ولكنه هزيل ضئيل قليل فى محتواه ومضمونه ..
وهكذا تصدق الرؤيا صدقا مطلقا ، ويجىء تأويلها صبحا مشرقا ، لا خفاء فيه .. وغاية ما فى الأمر أن تأويل الرؤيا يحتاج إلى بصر نافذ ، وبصيرة مضيئة مشرقة بنور الله ، حتى ترى ما وراء الرؤيا ، وتكشف عن مضمونها الذي انطوت عليه ، وهذا ما كان عليه النبىّ صلوات الله وسلامه عليه الذي كان يرى واقع رؤياه على الصورة التي سيقع عليها .. وبهذا تكون رؤياه دليلا هاديا له ، لا يقع له منها فى تصوره ، ما يفسد تدبيره ، أو يمزّق وحدة رأيه ..
قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
هذه الرؤية الحسّيّة هى أشبه بالرؤيا المنامية ، إذ كانت بحيث لا يرى