الأمة ، بعد أن رفع نبيها إلى الرفيق الأعلى ، بل إنه قائم فيها إلى يوم القيامة ، ما دامت كلمة الاستغفار تجرى على شفاههم ، كلما بعد بهم الطريق عن الله ، وتغشاهم الجهل والضلال .. فإن طريقهم إلى الله مفتوح أبدا ، ووجهتهم إليه مستقيمة دائما ، إذا هم ذكروه ، واستغفروا لذنوبهم ، وعرضوا أنفسهم عليه ، تائبين نادمين.
اقرأ قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ـ فإنك ستجد فيها أنسام الرحمة والرضوان تهب على هذه الأمة ، فتدفع عنها كل بلاء ، وتصرف عنها كل جائحة.
وهذا هو السر فى تخالف النظم بين قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وبين قوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
فإن الفعل «يعذب» مقيد بزمن معين ، وهو حال حياة النبىّ فيهم.
أما اسم الفاعل «معذّب» فهو غير محدود بزمن ، والقيد الوارد عليه هو قيد الاستغفار ، وهو عتيد حاضر مع هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقوله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
الاستفهام هنا تهديدى ، فيه نذير لهؤلاء المشركين الضالين ، الذين يمسكون بما هم فيه من شرك وضلال ، لا يستجيبون لله ، ولا يدعون المؤمنين