غير نظرة من جاءوا بعدهم ، والذين رأوا فيما كان للأولين من علوم ومعارف ، أنها أوهام وخيالات ، لا تثبت لتجربة ، ولا تستقيم على منطق.
وقد وقع فى تقديرهم الخاطئ أن الله سبحانه إذا خاطبهم بكلماته ، جاءت هذه الكلمات على غير الكلام الذي ألفوه ، حتى يكون كلام الله شيئا يخالف منطق البشر!
ولو فكروا قليلا فى هذا المنطق السقيم ، لعرفوا أن أبلغ الخطاب ما جاء مطابقا لمقتضى الحال ، وأن من أولى مقتضيات الحال فى مخاطبة الإنسان ، أن يجىء الكلام على مستوى فهمه ومدركاته ، وعلى حدود تصوراته وتخيلاته ، وقبل هذا كله أن يكون باللسان الذي يحسن الفهم والإفهام به.
ولو أنهم فكروا قليلا فى هذا الكلام الذي خاطبهم الله به ، لوجدوا أنه وإن صيغ من لغتهم ، ونظم من كلماهم ، فإنه ينفرد وحده من بين كل ما نطقوا به من كلام ، وما تحدثوا به من لغة ، وأنه ـ وهو كلام ، وكلام معروف لهم وجهه ، وجار على ألسنتهم التعامل به ـ هو معجز مفحم ، يتحدّى على الزمن كلّه ، أرباب البلاغة ، وسادة البيان أن يأتوا بسورة من مثله ..
وقد نازلهم القرآن فى هذا الميدان ، ودعاهم مرة بعد مرة ، أن يلقوه على هذا الطريق ، وأن يجيئوا بسورة أو بعض سورة من تلك الأساطير التي يقولون إنها مادة هذا الكلام ، ونظام عقده ، وقد ردّ الله تعالى عليهم بقوله :
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٣٣ ـ ٣٤ : الطور).
وقد خرسوا ، وخرس معهم كل بليغ منطبق إلى يوم القيامة!.