الملائكى لم يكن ـ كما قلنا ـ إلا قوى من قوى الحق ، تظاهر الذين آمنوا وتثبّت أقدامهم ، وتربط على قلوبهم ، وبهذا يصبح الواحد من المؤمنين برجح عشرة من المشركين ، كما يقول الله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦٥ : الأنفال).
فوجود الملائكة بين المؤمنين هو مما يشد أزرهم ، ويريهم فى أنفسهم أنهم أكثر من المشركين عددا ، وأقوى قوة .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) (٤٣ : الأنفال) فالمسلمون بهذا المدد الروحي يرون المشركين فى كثرتهم قلة ، وبهذا يطمعون فيهم ، ويثبتون لهم ، على حين يراهم المشركون قلة كما هم فى قلتهم ، فلا يفرون من بين أيديهم ، حتى تقع الواقعة بهم ، ويقتل منهم من يقتل ويؤسر منهم من يؤسر : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
فلو أن الملائكة كانوا هم الذين قاتلوا دون المؤمنين ـ لما كان للمؤمنين فضل فى هذه المعركة ، ولما كان لهم شرف هذا البلاء الذي أبلوه فى هذا اليوم ، بل ولما كان من النبىّ هذا الحال الذي استولى عليه ساعة بدء القتال ، وهو الذي تلقى وحي السماء بهذا المدد الملائكى .. فإنه عليه الصلاة والسلام ـ يعلم أن هذا المدد لا يخلى المؤمنين من مسئولية حمل العبء فى لقاء المشركين ، وإن كان من ورائهم تلك القوة السماوية التي تظاهرهم .. والله سبحانه وتعالى يقول : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ).
وقد جاءت هذه الآية فى غزوة أحد هكذا :