وأن أمرها إلى الله ، ثم إلى رسول الله يضعها حيث يشاء ، ويتصرف فيها كما يرى ..
تلك هى كلمة الله ، وهذا هو قضاؤه ..
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ .. قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ).
وانظر كيف كانت الحكمة فى هذا الحكم ، وهذا التدبير الحكيم ..
لقد كان ذلك أول الإسلام ، ومع أول تجربة يقع للمسلمين فيها خير مادىّ ، بعد أن احتملوا ما احتملوا من أذى وضر فى أموالهم وأنفسهم ..
ولو كان الذي حدث فى بدر جاريا مع موقع النظر الإنسانى ، لكان أول ما يتبادر إلى العقل هو التمكين للمسلمين الذين قاتلوا ، أن يحوزوا هذه الغنائم ، ليكون منها بعض العزاء لما ذهب منهم ، سواء أكانوا مهاجرين أو أنصارا .. حيث هاجر المهاجرون تاركين وراءهم الديار والأموال ، وحيث شاطرهم الأنصار ديارهم وأموالهم ..!
ولكن تدبير الله يعلو هذا التدبير ، وحكمته تقضى بغير ما يقضى به هذا النظر البشرى المحدود ..
فلو أن المسلمين شغلوا أنفسهم من أول خطوهم بهذه الغنائم ، لكان فى ذلك جور على الدعوة التي دعاهم الله إليها ، وندبهم لها ، ولكان حسابهم معها قائما على الريح والخسارة فى جانب الدنيا ، أكثر منه فى جانب الدين ..!
ولهذا ، جاء أمر الله قاطعا على المسلمين هذا الطريق ، آخذا على أيديهم أن تمتدّ إلى تلك الغنائم ، التي جعلها الله سبحانه له ، ثم وضعها بين يدى رسوله .. إنهم مجاهدون فى سبيل الله وحسب ، باعوا أنفسهم لله ، ورصدوها للجهاد فى سبيله ..