كانت تضمها المدينة .. وهكذا توزعت مشاعر المسلمين وعواطفهم ، فى مواجهة هذا الطارق الغريب ، الذي أطلّ عليهم بوجهه ، لأول مرة ..
ولو ترك هذا الموقف للمسلمين يقضون فيه برأيهم ، ويلتقون فيه على رأى ، لما كان فى هذا ما يحسم الموقف ، ويجمع هذا العواطف المشتتة ، وتلك النوازع المختلفة .. فإن أي رأى يلتقى عنده المسلمون ، لم يرض نفرا منهم أيّا كان عدده ..
وتلك لا شك ثلمة فى بناء الجماعة التي لا تزال على أول الطريق ، فى استكمال كيانها ، ودعم بنائها ، بل هو صدع فى هذا البناء ، تزيده الأيام عمقا واتساعا ، إن لم يكن فى الحساب توقّيه قبل أن يقع .. حتى يحفظ هذا الجسد سليما معافى من أيّة آفة ، تندس إليه ، وتنفث سمومها فيه.
ولهذا جاءت كلمة الفصل من السماء ، حتى لا يكون لقائل قول ، ولو كان الرسول الكريم نفسه ، والذي لو قال كلمة هنا لتلقاها المسلمون بالقبول والرضا ، ولسكن عندها كل خاطر ، ولماتت بعدها كل نازعة أو وسواس ، لما للرسول فى نفوس المسلمين من حب وطاعة ، وولاء .. إذ كانوا على يقين ، بأنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لا يقضى إلا بالحق ، ولا يقول إلا بما أراه الله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى).
ومع هذا ، فإن حكمة الحكيم العليم اقتضت أن تكون كلمة الله هى القضاء الفصل فيما اختلف فيه المسلمون ، حتى يعودوا من هذه المعركة ، وقد خلت نفوسهم من أي همّ من هموم الدنيا ، وحتى يكونوا جندا خالصا لدين الله ، لا يجاهدون إلا فى سبيل الله ، وفى إعلاء كلمة الله ، دون التفات إلى شىء من هذه الدنيا ، وما يقع لأيديهم من مغانم الحرب .. فتلك المغانم ـ وإن كثرت ـ لا حساب لها فى هذا الوجه الكريم الذي يتجه إليه المجاهدون فى سبيل الله ..
ومن أجل هذا ، كان حكم الله قاضيا على المجاهدين بألّا شأن لهم بهذه الغنائم ،