واستحضار لما عرب من سوانحه وخواطره ، فكما فى ذكر الله بالقلب دون اللسان إتاحة الفرصة للقلب أن يصغى إلى نداءاته المنبعثة من داخله ، كذلك فى ذكر الله باللسان هو إيقاظ للقلب بتلك الكلمات الرقيقة الهامسة التي تربت عليه فى رفق وتناد به فى عطف ولين.
والغدوّ : جمع غدوة ، وهى أول النهار ، والآصال : جمع أصائل ، والأصائل : جمع أصيل ، وهو الساعة الأخيرة من النهار.
والمراد بالغدو والآصال ، ليس هو قصر ذكر الله فى هذين الوقتين ، وإنما المراد هو شغل القلب واللسان بذكر الله ، ذكرا دائما متجددا ، بحيث يخلى الإنسان نفسه من الشواغل ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ليكون بينه وبين الله تلك اللقاءات المسعدة ، التي يجدّد فيها إيمانه ، ويقوّى بها صلته بخالقه .. ولهذا جاءت خاتمة الآية بهذا الأمر الكريم : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ).
وأما السر فى اختيار هذين الوقتين ، فلأنهما أصلح الأوقات وأنسبها لذكر الله ، واستحضار جلاله وعظمته.
ففى أول النهار يتزود الإنسان بهذا الزاد الطيب ، الذي يغذّى به مشاعره وأحاسيسه ، ويشحن به عواطفه ونوازعه .. ثم يخرج إلى الحياة ، ومعه هذا الرصيد العظيم من أمداد الله ، ورحماته ، فيواجه الحياة بقلب سليم ، وعزم موثق ، ولسان عفّ ، ويد نقية .. فيكون من هذا كله فى حراسة أمينة يقظة ، فلا يزلّ ولا ينحرف!.
فإذا كان آخر النهار ، كان له إلى نفسه عودة ومراجعة ، فيعرضها على الله ، ويصلح ما وقع لها من خلل أثناء رحلتها مع الحياة طوال اليوم .. وبهذا يظل المؤمن المتصل بالله هذا الاتصال ـ يظل على الصحة والسلامة أبدا ، فيقطع العمر ،