لما جعلتم إلى عبد من عباد الله ـ ولو كان رسولا من رسله ـ أن يكون له شأن مع الله ، وأن يأتى بآيات ومعجزات لم يضعها الله سبحانه فى يده ، ولم يأذن له بها ..
ثم ما لكم ـ أيها المشركون الضّالون ـ تطلبون الآيات ، وتقترحون منها ما تمليه عليكم أهواؤكم؟ وهذا كتاب الله ، وتلك آياته بين أيديكم ؛ لو أنها وجدت منكم آذانا صاغية ، وقلوبا واعية ، لاستغنيتم بها عما تطلبون من آيات ماديّة تلمسونها بأيديكم ، فتبهر عقولكم بأفعالها القاهرة المعجزة؟
وفى كل آية من آيات الكتاب الكريم معجزة قاهرة متحدية ، تخشع لجلالها القلوب ، وتعنو لروعتها الوجوه ، ولكن لا ينكشف منها هذا الجلال ، ولا تتبيّن منها تلك الروعة إلا لأصحاب البصائر السليمة ، التي تتهدّى إلى الحق ، وتتّبع آثاره ، وتستجيب لدعوته .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالبصائر : جمع بصيرة ، والبصيرة بمعنى باصرة ، أي أنها عيون مبصرة لمن ينظر بها إلى هذا الوجود ، ويتخذها دليله وهاديه فى الحياة .. إنه لن يضلّ معها ، ولن يجد فى صحبتها غير الهدى والرحمة .. هذا لمن يؤمنون بها ، ويصحبونها على وفاق ، لا لمن يمكرون بآيات الله ، ويتخذونها لهوا ولعبا.
وقوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هو إشارة إلى ما ينبغى أن تكون عليه صحبة آيات الله ، لمن يبغى الخير منها ، ويطلب الهدى عندها .. إنها لا تعطيه من خيرها ، ولا تمدّه من أضوائها ، إلا إذا أعطاها حقّها من الاحترام والتوقير ، فإذا استمع إليها ، وهو يتلوها على نفسه ، أو يتلوها عليه غيره ، وأنصت لها ، وأخلى حواسّه وجوارحه وكيانه كلّه من أي شاغل يشغله عنها ـ عندئذ يؤذن له