لفّهم الشيطان به ، وإذا نور الهدى يطل عليهم من بين هذا السحاب ، وإذا حرارة الإيمان تتحرك فى صدورهم ، فتبدّد غواشى هذه السحب ، وإذا سماؤهم مشرقة بنور الله .. وإذا هم مبصرون طريقهم إلى الحق والخير ..
وفى التعبير بالنزغ فى مقام النبىّ ، وبالمسّ وبالطائف فى جانب المتقين ، إشارة إلى أن ما يكيد به الشيطان للنبىّ هو شىء عارض ، لا يكاد يجاوز اللحظة العابرة ، واللمسة المذعورة .. أما ما يكيد به الشيطان للمؤمنين فهو مس يكاد يحتويهم ، ويطوف بهم ، ويشتمل عليهم .. وذلك لأن النبي الكريم فى مقامه العالي ، من التقوى ، ومن اليقظة ، هو فى حصن حصين ، بحيث لا يكاد يجد الشيطان منفذا ، وإن وجده فهو أضيق من سمّ الخياط .. وهكذا المؤمنون وما فى قلوبهم من تقوى ، فكلما كان رصيد المؤمن من التقوى عظيما ، كلما أثر الشيطان فيه ضعيفا ، لأن التقوى هى الحصن الذي يحتمى فيه المؤمن من أن يطوف الشيطان به ، وكلما كان هذا الحصن متين الأركان ، متماسك البنيان كلما ضاقت منافذ الشيطان وسدّت دون كيده الأبواب!
قوله تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ).
فهم أكثر المفسرين هذه الآية على أن الإخوان هنا هم إخوان الشياطين ، من المشركين وأهل الضلال ، وأن الشياطين يمدونهم بالغيّ والضلال ، فلا يقصرون ، ولا يرجعون عن غيهم وضلالهم ، بل يزدادون ضلالا إلى ضلال ، وغيا إلى غىّ.
والفهم الذي أطمئن إليه فى هذه الآية ، هو أن المراد بإخوانهم ، هم إخوان المؤمنين ، من المنحرفين ، وأصحاب الأهواء والبدع ، ومن المشركين والضالين .. وأن هؤلاء جميعا هم شياطين مسلطون على المؤمنين ، يحاولون جاهدين أن يمدوهم بالغي والضلال ، والمؤمنون ـ مع هذا ـ فى إعراض عنهم ، ولكنهم ـ مع