إليهم رحمة وإحسانا .. وفى هذا يقول الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١ : إبراهيم)
ويقول سبحانه : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١٠٧ : الأنبياء) ويقول جلّ شأنه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢ : الجمعة) .. فالرسالة التي بين يدى رسول الله ، هى رسالة خير ورحمة ، فلا يكون منها للناس جميعا إلا الخير والرحمة ، حتى لأولئك المشركين الذين تصدوا للرسالة وأعنتوا صاحبها ، حيث لم يأخذهم الله بما أخذ به الأمم السابقة الذين تحدّوا رسل الله ، وكفروا بهم ، وبما يدعونهم إليه.
وثانيهما : ألا يخرج بالناس عن مألوف الحياة ، وطبيعة البشر ، وهذا يعنى أن أحكام الشريعة ليست غريبة على الناس ، وإنما هى من صميم البناء السليم للحياة الإنسانية ، وأنه لو ترك الناس وما تدعوهم إليه فطرتهم السليمة لكان ما تعارفوا عليه ، وأخذوا أنفسهم به ، هو والشريعة على سواء ..
فالشريعة السماوية ـ فى حقيقتها ـ ليست شيئا زائدا على الحياة الإنسانية السليمة ، وإنما هى تنظيم لها ، وضبط لحدودها ، وجمع لأصولها التي عرفها الناس فى الحياة .. عن تجربة ، وممارسة واختبار ..
إن الناس بفطرتهم ، يعرفون ما يضرّهم وما ينفعهم ، ويفرقون بين ما هو شر وما هو خير .. وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف : «الحلال بيّن والحرام بيّن» .. ولكن ليس كل من عرف الشرّ توقّاه ، وحرس نفسه منه ، وليس كل من عرف الخير أقبل عليه ، وأخذ نفسه به ، إذ ما أكثر تلك الأهواء التي تتحكم فى الناس ، وتغلبهم على ما يدعوهم إليه العقل ، وتناديهم به الحكمة.