للدعوة ، وليلقى الناس بما أنزل إليه من ربّه ـ فجاءت الخاتمة هنا لترسم له الطريق الذي يلتزمه فى دعوته ..
وهذا الفاصل الممتدّ بين مفتتح السورة وخاتمتها ، والذي كان بطبيعة الحال فاصلا بين مادّة الدعوة ، وبين المنهج الذي تقوم عليه ـ هذا الفاصل لم يكن جملة اعتراضية بين مادة الدعوة ومنهجها ، وإنما هو ـ فى الواقع ـ منهج تطبيقى للدعوة ، رأى فيه النبىّ ، كما رأى فيه قوم النبىّ ، صورا متعددة من الصدام بين الحق والباطل ، وكيف كانت مصارع المبطلين ، وعاقبة الظالمين. وهذا مما يعين النبىّ على الأخذ بهذا المنهج الذي رسمه الله للدعوة التي أقامه عليها.
وقوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
هو المنهج الذي يسلكه النبىّ مع الناس فى أداء رسالته إليهم ، من تبعه منهم ومن عصاه على السواء ، وهذا المنهج ذو أصول ثلاثة ، يقوم عليها :
أولها : المياسرة والرفق ، فى أخذ المؤمنين ، بأحكام الشريعة ، فلا إعنات ، ولا إرهاق فى شريعة الله ، التي جاءت رحمة لعباده ، واستنقاذا لهم من الهلاك .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) أي تقبل من الناس ما تسمح به أنفسهم ، ويتسع له جهدهم ، مما لا يشق عليهم من أمر أو نهى ..
وهذا من شأنه أن يوثق العلاقة بين المؤمنين وبين دين الله الذي دخلوا فيه ، حيث يجدون منه وجها سمحا مشرقا ، يلقاهم بالصفح الجميل إذا هم أذنبوا ، ويفتح لهم باب الرضا والقبول ، إذا هم شردوا وضلوا ، ثم تابوا ، وأنابوا إلى الله من قريب ..
وهكذا جاءت شريعة الإسلام ، رفيقة بالناس ، رحيمة بهم .. ليس فيها ما يعنتهم ، أو ينكّل بهم ، لأنها لم تجىء إليهم نكالا وانتقاما ، وإنما جاءت