ومن الجهل الذي يستولى على العقول ، فيضلّها عن سواء السبيل ، أن يرى بعض الناس أن النبىّ إذ كان على صلة بالسّماء ، قادر على أن يشارك الله فى سلطانه ، وأن يكون بيده ما بيد الله أو بعض ما فى يد الله من قدرة وعلم وسلطان ..
ولهذا كان من مقترحات مشركى قريش على النبيّ ، أنهم لن يؤمنوا له حتى يأتيهم بما اقترحوا عليه ، مما ذكره الله سبحانه وتعالى على لسانهم فى قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٩٠ ـ ٩٣ : الإسراء).
ومن واردات هذا الجهل ذلك السؤال الذي يلحّ به السائلون على النبيّ عن يوم القيامة ، ظنّا منهم أن النبىّ غير بشر ، وأنه يملك من قوى الغيب ما يجعله عالما بكل شىء ، قادرا على كل شىء ..
ولو كان النبىّ ممن يعمل لحسابه وممن يطلب المجد والسلطان لنفسه فى الناس ـ لحمد لهؤلاء الظانين به هذه الظنون ؛ رأيهم فيه ، ونظرتهم إليه ، بل لعمل على الترويج لهذه الظنون ، وإذاعتها فى الناس ، ليكبر فى أعينهم ، ويعظم مقامه فيهم ..
ولكنّ النبىّ لا يعمل إلا للحق ، ولا يتعامل مع الناس إلا بالحق ، ولهذا جاء قوله تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ليؤذّن به النبي فى الناس ، وليريهم أنه بشر مثلهم ، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، فالنفع والضرّ بيد الله وحده.