وراءه! وبهذا الشعور خلق الفنانون الأساطير ، ونسجوا الخرافات ، التي كانت المورد الذي تتزاحم عليه الإنسانية ، وتروى منه أشواقها ومواجدها ، وتغذّى به آمالها وأحلامها ..
وإذ طلع عصر العلم التجريبى على الناس واستقامت العقول على منطق التجربة ، وحكم الواقع المادىّ ـ لم يعد للقوى الغيبية هذا السلطان المتسلط على العقول والقلوب ، ولم يعد فى الناس من تستهويه هذه القوى ، أو تحمله على الوقوف طويلا عندها .. فإن يكن للناس مع هذه القوى وقفة فى هذا العصر ، فهى وقفة اللاهي العابث ، الذي يلتمس التخفف من ضغوط المادة ، وثقل الواقع .. ثم لا يلبث أن يأخذ طريقه إلى عالم المادة والواقع ، الذي يتقلب فيه ، ويتعامل معه!
ولهذا ، فإن أي لباس يلبسه الإنسان اليوم غير جلده البشرىّ ، وثوبه الإنسانى ، لا يمكن أن يحجب أعين الناس عن حقيقته ، أو أن يخيّل إليهم منه أنه غير إنسان!!
فقد يلبس الناس على المسارح جلود الحيوانات ، وأثواب الشياطين ، والجن والآلهة .. ثم هم مع هذا فى أعين المتفرجين أناس كسائر الناس .. وأن هذه الأثواب ، وتلك الأصباغ أشياء مستعارة .. لا تغير ولا تبدّل من الحقيقة الواقعة شيئا.
ولا يخرج الحال بأولئك الذين يدّعون لأنفسهم ، أو يدّعى لهم أنهم من طينة غير طينة الناس ، ومن جلود غير جلود الناس ـ لا يخرج بهم الحال عن تلك الصّور المتغايرة التي يلبسها الممثلون والمهرجون!
إن الناس قد استقلّوا اليوم بعالمهم الأرضى ، وأجلوا عنه كل قوى غيبية كانت تعيش مع أسلافهم فيه ، وتتحكم فى مصائرهم ، وتبدل من أحوالهم!