ويحدث التاريخ الإسلامى أيضا أن «المقنّع» الخراسانى ، ـ واسمه عطاء ـ كان صاحب فرقة من فرق الشيعة ، وكان مشعوذا ، قد بلغ به الأمر أن ادعى الألوهية لنفسه ، وكان لا يسفر عن وجهه ، وقد اصطنع لذلك وجها من ذهب ، تقنع به ، فسمى المقنع .. وكانت له شعوذات خدع بها الأغرار من الناس ، فتبعه خلق كثير ، مما وراء النهر ، وآمنوا بألوهيته ، وكادت تكون فتنة.
«ولما اشتهر أمره ثاروا عليه ، وقصدوه الناس فى قلعته التي اعتصم بها ، فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سما ، فمتن منه ، ثم تناول شربة من ذلك السم فمات أيضا ، وذلك فى سنة ثلاث وستين ومئة هجرية (١)».
ويحدّث التاريخ الإسلامى كذلك عن بعض الفرق المنحرفة من الشيعة ، وعن تأليههم للخليفة الحاكم بأمر الله ، الذي لا زالت بقايا هذه الفرقة المارقة تتعبد له ، فى جهات منعزلة من بلاد الشام!
وليس ببعيد خبر «سليمان المرشد» الذي ظهر فى بلاد الشام منذ سنوات وادّعى الألوهية ، ووجد فى الناس من يستجيب له ويؤمن به!
وتستند دعوى الألوهية لإنسان من الناس على قوة غيبية احتوت هذا الإنسان الإلهى ، أو احتواها هو .. وبهذه القوة الغيبيّة المقدسة فيه ، صار فوق مستوى الناس ، ونزل منازل الآلهة!
وقد كان الناس قبل عصر العلم التجربي ، يفتحون آذانهم وعقولهم وقلوبهم للقوى الغيبية هذه ، ويتشوّفون إليها ، فيما وراء المادة ، وكانت حياتهم موصوله بها ، مشدودة إليها .. فإذا جاءهم من يحمل إليهم ـ إن صدقا وإن كذبا ـ خبرا من تلقائها ، أو حديثا من عندها ، وجد من يصغى إليه ، ويلهث جريّا
__________________
(١) وفيات الأعيان ، لابن خلكان : جزء أول ص ٤٠٢.