أفبعد هذا لا يستجيب الله لعيسى بن مريم ، ولا يحقق له ما دعا به إليه؟ إن عيسى يقول : «اللهمّ ربّنا أنزل علينا» ولم يقل عليهم .. ويقول : «تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا» ولم يقل : تكون لهم عيدا لأولهم وآخرهم» وقال «وارزقنا» ولم يقل : وارزقهم ..
فهى عيد وبهجة ومسرّة للمسيح ، ولمن يطعم من تلك المائدة من أتباعه. ثم هى آية من آيات الله وشاهد من شهود قدرته وجلاله.
وهى رزق كريم طيب .. وليست لعنة ، ولا عقوبة ..
وثانيا : أن الله سبحانه وتعالى استجاب لعيسى ، فقال سبحانه : (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) .. وفى هذا : أن القائل ليس أيّ قائل ، بل هو الله سبحانه وتعالى .. (قالَ اللهُ) .. وأنه سبحانه قد حكم هذا الحكم القاطع المؤكد : «إنى منزلها عليكم» .. هكذا : «إنى منزّلها عليكم» .. وذلك التوكيد. ليرفع أىّ احتمال للشك عند أقلّ المؤمنين إيمانا بالله ، بأن المائدة لم تنزل.
فكيف يقع لعقل عاقل أن كلمة الله لا تنفذ ، وأن قضاءه لا يمضى؟ ولا ندرى كيف نظر شيخ المفسّرين «الطبري» إلى هذه الآية ، ولا كيف طوّع له قلمه أن يجعل لهذا الرأى مكانا فى تفسيره؟
وقوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) إنما هو حراسة لهذه النعمة العظيمة ، من أن يعبث بها العابثون ، أو يلحد بها الملحدون .. إنها شمس طالعة فى وجه صبح مشرق .. فمن عمى عنها ، ولم يهتد بها ، فهو فى حرب سافرة مع الله .. لا جزاء له إلا أن يلقى أشد العذاب!
وليس فى هذا تهديد للحواريين ، ولا وعيد لما سيكون منهم من كفر