بحواسّهم ، بعد أن أدركوها بعقولهم .. وهذا ما يبعث فى قلوبهم الطمأنينة التي تثبّت الإيمان ، فلا يهتزّ لعارض يعرض له من ريبة أو شك.
وثالثا : أن يزداد علمهم بصدق عيسى ، وبصدق هذه الآيات التي تجرى على يديه ، فلا يطوف بأنفسهم منها طائف من الشك والوسوسة ، التي كان يثيرها اليهود حولها.
ورابعا : أن تكون هذه المائدة المنزلة من السماء شهادة بين أيديهم فى دعوتهم الناس إلى الإيمان .. إذ كانوا ممن طعموا منها ، ومثل هذا الطعام السماوي لا بدّ أن يترك آثارا فيمن طعم منه .. وربما كانت آثاره مادية ومعنوية معا ، يراها الناس ظاهرة عليهم ، فيكون منها شهادة للحواريين ، أنهم ممن لبسوا تلك النعمة الإلهية ، وفى هذا ما يجعل القلوب مطمئنة إليهم ، وإلى ما يدعون إليه.
وأمر آخر من تلك المائدة ، أثار اختلافا بين المفسّرين ، حتى لقد رأى بعضهم أن المائدة لم تنزل ، وأن الحواريين حين سمعوا قول الله تعالى : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) قالوا : لا حاجة لنا .. فلم تنزل عليهم!!
وهذا قول مردود ، ورأى فاسد .. وذلك :
أولا : أن عيسى عليهالسلام ، دعا ربّه ، وضرع إليه ، أن ينزّل هذه المائدة ، كما طلبها الحواريون ولم يكتف بهذا ، بل لقد جعل لطلبها أسبابا ومبررات من عنده ، حتى لكأن هذا الطلب كان منه ابتداء ، لما حمّل هذا الطلب من ثمرات طيبة تجىء معه ، كما يقول الله سبحانه وتعالى على لسانه : (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)