ذلك أن أكثر ما يبتلى به المؤمنون فى دينهم ما كان مورده من جهة طعامهم .. إذ الطعام قوام الحياة ، وإليه ينصرف أكثر جهد الإنسان وعمله ، فإذا لم يتحرّ الحلال فيما يأكل ، لم يتحرّ الحق فيما يعمل ويكسب .. ولهذا أعطى الله سبحانه وتعالى صفة الأكل لكل مال يقع ليد الإنسان من حرام ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠ : النساء) وقال سبحانه : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ) (٢٧٥ : البقرة) وقال : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١٨٨ : البقرة).
من أجل هذا كانت عناية الشريعة تلك العناية البالغة ببيان الحلال والحرام ، من طعام الإنسان وشرابه ، ليقيم وجهه على ما أحلّ الله له من طيبات. وليعرض عما حرّم عليه من خبائث ..
وفى هاتين الآيتين يبيّن الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حكم الصيد ، وما لهم منه ، وما عليهم فيه ، وهم محرمون.
فيقول سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) والخطاب للمؤمنين ، لأنهم أهل لأن يستمعوا لهذا النداء الكريم ، وأن يستجيبوا له ، وهم متحلّون بهذه الصفة ، صفة الإيمان ، وإلا فقد آذنوا أنفسهم بأن يتخلّوا عنها ، وأن يكونوا من غير جماعة المؤمنين.
والمراد بالصيد المنهي عن صيده هنا ، هو صيد البرّ ، ويكشف عن هذا المراد قوله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) لأن صيد البحر لا يقتل ، وإنما الذي يقتل هو صيد البر ، كما يكشف عنه قوله تعالى بعد ذلك : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ