ثانيا : إذا لاحظنا أنّ الأمر والنهى هما الصميم من الشريعة الإسلامية ، وعليهما تدور أحكام الشريعة ووصاياها ـ إذا لاحظنا ذلك وجدنا أن لهذا الجمع بين النواهي والأوامر التي حملتها تلك الآيات الثلاث ، حكمته ، إذ كان الرسول الكريم هنا فى مواجهة الناس جميعا ، وخاصة المشركين ، وهو فى هذا الموقف مطالب بأن يكشف أصول الشريعة التي جاء بها ، وما أحلّ الله للناس وما حرّم عليهم .. وقد جاءت الآيات الثلاث بالأصول العامة لأحكام الشريعة كلها ، فيما حرّمت وأحلّت.
عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أيكم يبايعنى على ثلاث ..» ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ..» حتى فرغ من الآيات قال : «فمن وفى فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله به فى الدنيا كانت عقوبته (أي كانت العقوبة كفارة له) ومن أخر إلى الآخرة ، فأمره إلى الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه».
وعن ابن عباس رضى الله عنهما ، أن هذه الآيات محكمات ، لم ينسخهن شىء من جميع الكتب ، وأنهن أم الكتاب ، من عمل بهن دخل الجنة ، ومن تركهن دخل النار.
ثالثا : إذا لاحظنا أيضا أن الرسول الكريم لم يكن فى هذا الموقف يواجه الناس بأحكام جديدة ، يكشف بها عن وجه رسالته ، وإنما كانت تلك الأحكام قد تقررت من قبل ، فيما جاء به القرآن ، وقد كان ذلك معلوما كلّه هؤلاء المخاطبين ، من مؤمنين ومشركين. ـ إذا لاحظنا ذلك وجدنا أنه لم يكن عمل الرسول هنا إلا تلاوة لنصوص أحكام كانت مقررة من قبل ، ولهذا فقد أمر الرسول الكريم بأن يدعو الناس إليه ، (قُلْ تَعالَوْا) .. ثم يستحضر الدستور