والخطاب هنا للمشركين ، الذين يقولون : «لو شاء ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شىء» .. فهم مطالبون بأن يأتوا بمن يشهد لهم على هذا الزّور الذي يقولونه على الله ، ويضيفونه إلى مشيئته .. فهل عندهم من يشهد لهم بأن الله حرّم هذه المطاعم ، التي يقولون إنها حرّمت عليهم بمشيئة الله وتقديره؟
إن الله ـ سبحانه ـ لم يحرّم شيئا من هذا الذي حرموه هم .. وإذن فهم الذين شاءوا بمشيئتهم أن يكون لهم موقف مع هذه الأشياء ، وأن يصدروا حكمهم عليها بالتحريم ، فكيف ينكرون ـ بعد هذا ـ مشيئتهم العاملة معهم فى الحياة ، فتحلّ لهم الخبائث ، وتحرم عليهم الطيبات؟ أليس ذلك عن مشيئة وإرادة منهم؟ إنهم لو كانوا ـ كما يقولون ـ بلا مشيئة متحركة عاملة ، لما كان لهم أن يبدّلوا ويغيروا شيئا وجدوه قائما على ما أوجده الله ، ولكانوا كالحيوان الأعجم ، الذي يحرى على طبيعته ، ويأخذ الأشياء على ما بها ..
فهم ـ والحال كذلك ـ أصحاب مشيئة ، ولكنها مشيئة فاسدة ملتوية ، يعترضون بها سنن الله ، ويغيّرون بها شريعة الله ، ومن ثمّ فهم معتدون آثمون ، قد حقّ عليهم أن يؤخذوا باعتدائهم ، وأن يعذبوا بآثامهم.
وقوله سبحانه : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) تثبيت للنبى الكريم على طريقه المستقيم ، الذي أقامه الله عليه ، وألا يأخذ بشهادة من يشهدون على هذا الزور ، فإن أهل الضلال الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، لا يتحرجون من الكذب والافتراء ، ولا يتورّعون أن يدّعوا على الله الكذب والبهتان.
وقوله تعالى : (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي يشركون بربهم ، ويجعلون