أولهما : إلفات المشركين إلى أنفسهم ، حتى يعيدوا النظر إلى تلك الحال التي تركهم النبىّ عليها .. وذلك فى حال هم فيها فى غير مواجهة صريحة مع النبىّ ، الذي يكشف أدواءهم ، ويقدّم لهم الدواء ، الأمر الذي كثيرا ما تتأباه النفوس المريضة ، وتزورّ به العقول السقيمة ، على خلاف ما إذا خلا أمثال هؤلاء بأنفسهم ، واطمأنوا إلى أن أحدا لن يطلع عليهم ، فإنهم عندئذ قد يتعرّون مما ركبهم من ظلام وضلال ، وقد يجد أحدهم الجرأة أمام نفسه فيفضحها ويهتك سترها ، وينخلع مما هو فيه ، ثم ينطلق إلى مطالع النور ، ومواقع الهدى ..
وثانيهما : أن المسلمين إذ يرون ما تكشف آيات الله من سوء حال المشركين ، وما ينتظرهم من مصير مشئوم ، يزداد إيمانهم إشراقا وألقا ، ويبدو لهم أنهم أثقل ميزانا ، وأكرم مقاما من هؤلاء المشركين الذين يسومونهم العذاب ، ويأخذونهم بالبأساء والضراء .. وفى هذا عزاء جميل «للمسلمين» وتثبيت لأقدامهم على الطريق المستقيم.
وفى قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) اتهام للمشركين بما افتروا على الله ، وما شرعوا لأنفسهم من شريعة ، استملوها من أهوائهم الباطلة ، وتصوراتهم الفاسدة .. ومن هذا أنهم جعلوا لله نصيبا مما «ذرأ» أي خلق «من الحرث» أي الزرع ، «والأنعام» .. فقالوا «هذا لله بزعمهم» أي بما زعموه هم ، لا عن أمر سماوىّ من الله ..
«وقالوا : «هذا لشركائنا» أي لآلهتهم التي عبدوها ، وجعلوها شركاء لله ، يقدمون لها القرابين مما رزقهم الله!
وقوله تعالى : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) أي فما جعلوه لله جحدوه ، ولم يحرصوا على الوفاء