يتعامل مع الحياة ، فيقبل على الشيء أو يعرض عنه ، حسب تقديره وإرادته .. ولا يستطيع مؤمن بالله أن ينكر قدرة الله الشاملة ، وإرادته النافذة ، وأن كل شىء بيد الله ، وتحت مشيئته ..
هذان الأمران يكاد يتفق عليهما جميع المؤمنين بالله ، وهما : أن لله إرادة وقدرة ، وأن للإنسان إرادة وقدرة ..
ولكن الخلاف يقع ويشتد بين المؤمنين بالله ، حين ينظر الناظرون منهم إلى الإرادتين معا ، وإلى القدرتين معا ، فى مجال التصريف والعمل ..
وقد رأينا ألوانا مختلفة من التفكير ، ومذاهب متعددة من الرأى ، فى تقدير إرادة الإنسان وقدرته ، إلى جانب إرادة الله وقدرته ..
فذهب قوم إلى أن إرادة الإنسان وقدرته لا أثر لهما إزاء إرادة الله وقدرته ، بينما ذهب أقوام إلى عكس هذا ، فقالوا : إن إرادة الإنسان لا تلغيها إرادة الله ، ولا تعطّل عملها .. فالإنسان حرّ مختار يفعل ما يشاء ، كيف يشاء.
وقد كان يمكن أن يمضى القول بهذا الرأى أو ذاك ، أو بالرأيين معا ، دون أن يبدو أثر ظاهر فى واقع الحياة إذا انتقلت من رأى إلى رأى .. فسيّان أن يكون الإنسان فى واقعه يعمل فى أمور مطلقة يخلقها كيف يشاء ، ويدبّرها حيث يريد ، أو فى أمور قدّرت من قبل ، وأخذت صورتها كاملة قبل أن يلتقى بها ـ مادام الإنسان لم يؤت قدرة على كشف الغيب والتحقق من نتائج الأعمال قبل معالجتها ووقوعها ..
إن الإنسان يعالج أمور الحياة حسب تقديره ، ويمضيها حسب إرادته ، ثم تجىء نتائجها التي لا يعلم علمها إلا بعد أن تقع .. وكون الإنسان يعمل فى أمور قدّرت ، أو فى أمور لم تقدّر ، فإن ذلك لا يؤثر على إرادته العاملة ، ولا يتدخل تدخلا محسوسا فى تدبيره أموره.